فصل: تفسير الآيات (278- 282):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (278- 282):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279) وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (280) وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (281) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282)}
{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا} نزلت في العباس وعثمان رضي الله عنهما طلباً رباً لهما كانا قد أسلفا قبل نزول التَّحريم، فلمَّا نزلت هذه الآية سمعا وأطاعا، وأخذا رؤوس أموالهما، ومعنى الآية: تحريم ما بقي ديناً من الرِّبا، وإيجاب أخذ رأس المال دون الزِّيادة على جهة الرِّبا، وقوله: {إن كنتم مؤمنين} أَيْ: إنَّ مَنْ كان مؤمناً فهذا حكمه.
{فإن لم تفعلوا} فإن لم تذروا ما بقي من الرِّبا {فأذنوا} فاعلموا {بحرب من الله ورسوله} أَيْ: فأيقنوا أنَّكم في امتناعكم من وضع ذلك حربٌ لله ورسوله {وإن تبتم} عن الرِّبا {فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون} بطلب الزِّيادة {ولا تُظلمون} بالنُّقصان عن رأس المال.
{وإنْ كان ذو عسرة} أَيْ: وإن وقع غريم ذو عسرة {فنظرةٌ} أَيْ: فعليكم نظرةٌ، أَيْ: تأخيرٌ {إلى ميسرة} إلى غنىً ووجود المال {وأن تصدقوا} على المعسرين برأس المال {خيرٌ لكم}.
{واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله} يعني: يوم القيامة تُرَدُّون فيه إلى الله {ثمَّ توفى كلُّ نفسٍ ما كسبت} أَيْ: جزاء ما كسبت من الأعمال {وهم لا يظلمون} لا ينقصون شيئاً، فلمَّا حرَّم الله تعالى الرِّبا أباح السِّلَم فقال: {يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مُسمَّىً} أَيْ: تبايعتم بدين {فاكتبوه} أمرَ الله تعالى في الحقوق المؤجَّلة بالكتابة والإِشهاد في قوله: {واشهدوا إذا تبايعتم} حفظاً منه للأموال ثمَّ نسخ ذلك بقوله: {فإن أمن بعضكم بعضاً...} الآية. {وليكتب بينكم} بين المُستدين والمدين {كاتب بالعدل} بالحقِّ والإِنصاف، ولا يزيد في المال والأجل ولا ينقص منهما: {ولا يَأْبَ كاتبٌ أن يكتب} أي: لا يمتنع من ذلك إذا أُمر وكانت هذه عزيمةً من الله واجبة على الكاتب والشَّاهد، فنسخها قوله: {ولا يضارَّ كاتب ولا شهيدٌ} ثمَّ قال: {كما علَّمه الله فليكتب} أَيْ: كما فضَّله الله بالكتابة {وليملل الذي عليه الحق} أَيْ: الذي عليه الدِّين يملي؛ لأنَّه المشهود عليه فيقرُّ على نفسه بلسانه ليعلم ما عليه {ولا يَبْخَسْ منه شيئاً} أُمِرَ أَنْ يُقِرَّ بمبلغ المال من غير نقصان {فإن كان الذي عليه الحقُّ} أي: الدَّين {سفيهاً} طفلاً {أو ضعيفاً} عاجزاً أحمق {أو لا يستطيع أن يملَّ هو} لخرسٍ أو لعيٍّ {فليملل وليه} وارثه أو مَنْ يقوم مقامه {بالعدل} بالصدق والحقِّ {واستشهدوا} وأشهدوا {شهيدين من رجالكم} أَيْ: من أهل ملَّتكم من الأحرار البالغين، وقوله: {ممن ترضون من الشهداء} أَيْ: من أهل الفضل والدِّين {أن تضلّ أحداهما} تنسى إحداهما {فتذكر إحداهما الأخرى} الشَّهادة {ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا} لتحمُّل الشَّهادة وأدائها {ولا تسأموا أن تكتبوه} لا يمنعكم الضَّجر والملالة أن تكتبوا ما أشهدتم عليه من الحقِّ {صغيراً أو كبيراً إلى أجله} إلى أجل الحقِّ {ذلكم} أَيْ: الكتابة {أقسط} أعدل {عند الله} في حمكه {وأقوم} أبلغ في الاستقامة {للشهادة} لأنَّ الكتاب يُذكِّر الشُّهود، فتكون شهادتهم أقوم {وأدنى ألا ترتابوا} أيْ: أقرب إلى أن لا تشكُّوا في مبلغ الحقِّ والأجل {إلاَّ أن تكون} تقع {تجارة حاضرة} أَيْ: متجرٌ فيه حاضر من العروض وغيرها ممَّا يتقابض، وهو معنى قوله: {تديرونها بينكم} وذلك أنَّ ما يُخاف في النَّساء والتأجيل يؤمن في البيع يداً بيدٍ، وذلك قوله: {فليس عليكم جناحٌ إلاَّ تكتبوها وأَشْهِدوا إذا تبايعتم} قد ذكرنا أنَّ هذا منسوخ الحكم فلا يجب ذلك {ولا يضارَّ كاتب ولا شهيد} نهى الله تعالى الكاتب والشَّاهد عن الضِّرار، وهو أن يزيد الكاتب أو ينقص أو يحرِّف، وأن يشهد الشَّاهد بما لم يُستشهد عليه، أو يمتنع من إقامة الشَّهادة {وإنْ تفعلوا} شيئاً من هذا {فإنه فسوق بكم}.

.تفسير الآيات (283- 286):

{وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آَثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (283) لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (284) آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286)}
{وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتباً...} الآية، أمر الله تعالى عند عدم الكاتب بأخذ الرَّهن ليكون وثيقةً بالأموال، وذلك قوله: {فَرِهَانٌ مقبوضة} أَيْ: فالوثيقةُ رهنٌ مقبوضةٌ {فإن أَمن بعضكم بعضاً} أَيْ: لم يخف خيانته وجحوده الحقَّ {فليؤدّ الذي اؤتمن} أَيْ: أُمن عليه {أمانته وليتق الله ربه} بأداء الأمانة {ولا تكتموا الشهادة} إذا دُعيتم لإِقامتها {ومن يكتمها فإنه آثمٌ} فاجرٌ {قلبه}.
{لله ما في السموات وما في الأرض} ملكاً، فهو مالك أعيانه {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله} «لمَّا نزل هذا جاء ناس من الصَّحابة إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فقالوا: كُلِّفنا من العمل ما لا نطيق، إن أحدنا ليحدِّث نفسه بما لا يحبُّ أن يثبت في قلبه، فنحن نحاسب بذلك؟ فقال النبيُّ: فلعلَّكم تقولون كما قالت بنو إسرائيل: سمعنا وعصينا، وقولوا: سمعنا وأطعنا فقالوا: سمعنا وأطعنا»، فأنزل الله تعالى الفرج بقوله: {لا يكلِّف الله نفساً إلاَّ وسعها} فنسخت هذه الآية ما قبلها، وقيل: إنَّ هذا في كتمان الشَّهادة وإقامتها، ومعنى قوله: {يحاسبكم به الله} يخبركم به ويُعرِّفكم إيَّاه.
{آمن الرسول...} الآية، لمَّا ذكر الله تعالى في هذه السُّورة الأحكام والحدود، وقصص الأنبياء وآيات قدرته، ختم السورة بذكر تصديق نبيِّه عليه السَّلام والمؤمنين بجميع ذلك، {لا نفرق بين أحد} أَيْ: يقولون: لا نفرِّق بين أحد من رسله كما فعل أهل الكتاب، آمنوا ببعض الرُّسل وكفروا ببعض، بل نجمع بينهم في الإِيمان بهم {وقالوا سمعنا} قوله {وأطعنا} أمره {غفرانك} أَيْ: اغفر غفرانك.
{لا يكلف الله نفساً إلاَّ وسعها} ذكرنا أنَّ هذه الآية نسخت ما شكاه المؤمنون من المحاسبة بالوسوسة وحديث النَّفس {لها ما كسبت} من العمل بالطاعة {وعليها ما اكتسبت} من العمل بالإثم أَيْ: لا يُؤَاخَذ أحدٌ بذنب غيره {ربنا لا تؤاخذنا} أَيْ: قولوا ذلك على التَّعليم للدُّعاء، ومعناه: لا تعاقبنا إن نسينا. كانت بنو إسرائيل إذا نسوا شيئاً ممَّا شرع لهم عُجِّلت لهم العقوبة بذلك، فأمر الله نبيَّه والمؤمنين أن يسألوه ترك مؤاخذتهم بذلك {أو أَخْطأْنا} تركنا الصَّواب: {ربنا ولا تحمل علينا إصراً} أَيْ: ثقلاً، والمعنى: لا تحمل علينا أمراً يثقل {كما حملته على الذين من قبلنا} نحو ما أُمر به بنو إسرائيل من الأثقال التي كانت عليهم {ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به} أَيْ: لا تعذِّبنا بالنَّار {أنت مولانا} ناصرنا والذي تلي علينا أمورنا {فانصرنا على القوم الكافرين} في إقامة حجَّتنا وغلبتنا إيَّاهم في حربه، وسائر أمورهم حتى يظهر ديننا على الدِّين كلِّه كما وعدتنا.

.سورة آل عمران:

.تفسير الآيات (1- 6):

{الم (1) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (3) مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (4) إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (5) هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (6)}
{الم}.
{الله لا إله إلاَّ هو الحيُّ القيوم}.
{نزل عليك الكتابَ} أي: القرآن {بالحق} بالصِّدق في إخباره {مصدقاً لما بين يديه} مُوافقاً لما تقدَّم الخبر به في سائر الكتب {وأنزل التوراة والإِنجيل}.
{من قبل هدىً للناس وأنزل الفرقان} ما فرق به بين الحقِّ والباطل. يعني: جميع الكتب التي أنزلها. {إنَّ الذين كفروا بآيات الله لهم عذابٌ شديدٌ والله عزيز ذو انتقام} ذو عقوبة.
{هو الذي يصوركم} يجعلكم على صورٍ في أرحام الأُمَّهات {كيف يشاء} ذكراً وأنثى، قصيراً وطويلاً، وأسود وأبيض.

.تفسير الآيات (7- 11):

{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (7) رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8) رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (9) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ (10) كَدَأْبِ آَلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (11)}
{هو الذي أنزل عليك الكتابَ منه آيات محكماتٌ} وهنَّ الثَّلاث الآيات في آخر سورة الأنعام: {قل تعالوا أتل} إلى آخر الآيات الثَّلاث {هنَّ أمُّ الكتاب} هنَّ أمُّ كلِّ كتاب أنزله الله تعالى على كلِّ نبيٍّ، فيهنَّ كلُّ ما أحلَّ وحرَّم، ومعناه: أنهنَّ أصل الكتاب الذي يُعمل عليه {وأخر} أَيْ: آياتٌ أُخر {متشابهات} يريد: التي تشابهت على اليهود، وهي حروف التَّهجِّي في أوائل السُّور، وذلك أنَّهم أوَّلوها على حساب الجُمَّل، وطلبوا أن يستخرجوا منها مدَّة بقاء هذه الأُمَّة، فاختلط عليهم واشتبه {فأمَّا الذين في قلوبهم زيغٌ} وهم اليهود الذين طالبوا علمَ أجل هذه الأمَّة من الحروف المقطَّعة {فيتبعون ما تشابه منه} من الكتاب. يعني: حروف التَّهجِّي {ابتغاء الفتنة} طلب اللَّبس ليضلُّوا به جُهَّالهم {وابتغاء تأويله} طلب أجل أمَّة محمّدٍ صلى الله عليه وسلم. {وما يعلم تأويله إلاَّ الله} يريد: ما يعلم انقضاء ملك أمَّة محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم إلاَّ الله، لأنَّ انقضاء ملكهم مع قيامِ السَّاعة، ولا يعلم ذلك أحد إلاَّ الله، ثمَّ ابتدأ فقال: {والراسخون في العلم} أَي: الثَّابتون فيه. يعني: علماء مؤمني أهل الكتاب {يقولون آمنا به} أَيْ: بالمتشابه {كلٌّ من عند ربنا} المحكم والمتشابه، وما علمناه، وما لم نعلمه {وما يذكر إلاَّ أولوا الألباب} ما يتعَّظ بالقرآن إلاَّ ذوو العقول.
{ربنا} أي: ويقول الرَّاسخون في العلم {ربنا لا تزغ قلوبنا} لا تُملها عن الهدى والقصد كما أزغت قلوب الذين في قلوبهم زيغ {بعد إذ هديتنا} للإِيمان بالمحكم والمتشابه من كتابك.
{ربنا إنك جامع الناس} حاشرهم {ليوم} الجزاء في يومٍ {لا ريب فيه إنَّ الله لا يخلف الميعاد} للبعث والجزاء.
{إنَّ الذين كفروا} يعني: يهود قريظة والنَّضير {لن تغني عنهم} أي: لن تنفع ولن تدفع عنهم {أموالهم} {ولا أولادهم} يعني: التي يتفاخرون بها {من الله} من عذاب الله {شيئاً وأولئك هم وقود النار} هم الذين تُوقد بهم النَّار.
{كدأب آل فرعون} كصنيع آل فرعون وفعلهم في الكفر والتَّكذيب كفرت اليهود بمحمد صلى الله عليه وسلم.

.تفسير الآيات (12- 14):

{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (12) قَدْ كَانَ لَكُمْ آَيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (13) زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ (14)}
{قل للذين كفروا} يعني: يهود المدينة ومشركي مكَّة {ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد} بئس ما مُهِّد لكم.
{قد كان لكم آية} علامة تدلُّ على صدق محمَّدٍ عليه السَّلام {في فئتين} يعني: المسلمين والمشركين {التقتا} اجتمعتا يوم بدرٍ للقتال {فئةٌ تقاتل في سبيل الله} وهم المسلمون {وأخرى كافرة يرونهم مثليهم} وهم كانوا ثلاثة أمثالهم، ولكنَّ الله تعالى قلَّلهم في أعينهم، وأراهم على قدر ما أعلمهم أنَّهم يغلبونهم لتقوى قلوبهم، وذلك أنَّ الله عزَّ وجلَّ كان قد أعلم المسلمين أنَّ المائة منهم تغلب المائتين من الكفَّار {رأي العين} أَيْ: من حيث يقع عليهم البصر {والله يؤيد} يقوّي {بنصره} بالغلبة والحجَّة مَنْ يشاء {إنَّ في ذلك لعبرة} وهي الآية التي يُعبر بها من منزلة الجهل إلى العلم {لأولي الأبصار} لذوي العقول.
{زُيِّن للناس حبُّ الشهوات} جمع الشَّهوة، وهي تَوَقَانُ النَّفس إلى الشَّيء {والقناطير المقنطرة} الأموال الكثيرة المجموعة {والخيل المسوَّمة} الرَّاعية، وقيل: المُعلَّمة كالبلق وذوات الشِّياتِ، وقيل: الحسان. والخيل: الأفراس {والأنعام} الإِبل والبقر والغنم {والحرث} وهو ما يُزرع ويغرس، ثمَّ بيَّن أنَّ هذه الأشياء متاع الدُّنيا، وهي فانيةٌ زائلةٌ {واللَّهُ عنده حسن المآب} المرجع، ثمَّ أعلم أنَّ خيراً من ذلك كلِّه ما أعدَّه لأوليائه.

.تفسير الآيات (15- 19):

{قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15) الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (16) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ (17) شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآَيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19)}
{قل أؤنبئكم بخير من ذلكم} الذي ذكرت {للذين اتقوا} الشِّرك {جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد}.
{الصابرين} على دينهم وعلى ما أصابهم {والصادقين} في نيَّاتهم {والقانتين} المطيعين لله {والمنفقين} من الحلال في طاعة الله {والمستغفرين بالأسحار} المُصلِّين صلاة الصُّبح قيل: نزلت في المهاجرين والأنصار.
{شهد الله} بيَّن وأظهر بما نصب من الأدلَّة على توحيده {أنَّه لا إله إلاَّ هو والملائكة} أَيْ: وشهدت الملائكة، بمعنى: أقرَّت بتوحيد الله {وأولوا العلم} هم الأنبياء والعلماء من مؤمني أهل الكتاب والمسلمين {قائماً بالقسط} أَيْ: قائماً بالعدل، يُجري التَّدبير على الاستقامة في جميع الأمور.
{إنَّ الدين عند الله الإِسلام} افتخر المشركون بأديانهم، فقال كلُّ فريقٍ: لا دين إلاَّ ديننا، وهو دين الله، فنزلت هذه الآية وكذَّبهم الله تعالى فقال: {إنَّ الدين عند الله الإِسلام} الذي جاء به محمَّدٌ عليه السَّلام {وما اختلف الذين أوتوا الكتاب} أَي: اليهود، لم يختلفوا في صدق نبوَّة محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم لما كانوا يجدونه في كتابهم {إلاَّ من بعد ما جاءهم العلم} يعني: النبيَّ صلى الله عليه وسلم، سمِّي علماً لأنَّه كان معلوماً عندهم بنعته وصفته قبل بعثه، فلمَّا جاءهم اختلفوا فيه؛ فآمن به بعضهم وكفر الآخرون {بغياً بينهم} طلباً للرِّياسة وحسداً له على النُّبوَّة {ومن يكفر بآيات الله فإنَّ الله سريع الحساب} أَي: المجازاة له على كفره.